کد مطلب:369633 سه شنبه 3 اسفند 1395 آمار بازدید:357

الحلقة السادسة
 مقدّمة للدكتور الهاشمی

الهاشمی: مشاهدینا الكرام السلام علیكم ورحمة الله وبركاته.

أرحب بكم أجمل ترحیب وأقدم لكم الحلقة السادسة من المناظرة الخاصة بحیاة السیدة فاطمة الزهراء (رضی الله عنها وصلى الله وسلم وبارك على أبیها وعلى آله الطیبین الطاهرین وأصحابه الكرام المرضیین ومن تبعهم بإحسان إلى یوم الدین).

هذه مناظرة یقصد منها البحث فی مدى صحة أو بطلان الروایات التی یقول بها علماء الشیعة عن تعرضها (رضی الله عنها) لعدوان أمر به أبو بكر الصدیق ونفذه عمر بن الخطاب (رضی الله عنهما) وأدّى إلى كسر ضلعها وإسقاط جنینها فضلاً عن حرق دارها.

هذه مناظرة تعید قراءة التاریخ الإسلامی فی عصوره الأولى؛ مناظرة تشجع على البحث الحرّ الموضوعی والنقد الجریء.

مناظرة تستلهم تجارب الأمم الأوربیة فی نقد تراثها الدینی بجرأة وعقلانیة وتتیح المجال للعلماء والمفكرین والباحثین العرب لنقد تراثهم الفكری والدینی بروح عقلانیة وموضوعیة.

إنها مناظرة تحاول من خلال الحوار الحرّ الصریح ترویج ثقافة التسامح والسلام والحریة فی المجتمعات العربیة والإسلامیة، ومواجهة الأفكار العنصریة والأفكار المعادیة للسامیة والفكر والخطاب الطائفی المتعصب الذی یبرر العنف والكراهیة والإقصاء ([112]).

اُذكّر الجمیع أن مناسبة طرح هذه المناقشة هو إحیاء ملایین المسلمین الشیعة مطلع هذا الشهر لما یسمونه ذكرى استشهاد فاطمة الزهراء (رضی الله عنها) عبر مجالس عزاء وردت فیها روایات عدیدة عن اعتداء القوم ـ ویقصدون بهم بعض كبار الصحابة ـ على الزهراء (رضی الله عنها وعنهم) وعن حرق بیتها وكسر ضلعها وإسقاط جنینها.

وقد اهتمت الفضائیات الشیعیة بالمناسبة وبثّت عنها ندوات كثیرة؛ لذلك كان من المناسب والمفید النظر فی هذا الموضوع وعرضه للنّقاش العلمی الموضوعی، وبحث آثاره على جهود التجدید والتصحیح والإصلاح فی الفكر الإسلامی، وعلى توجّهات الأجیال الشّابة من المسلمین، وعلى العلاقات بین الطوائف الإسلامیة.

ضیوفی فی هذه الحلقة هم السید حسن الحسینی من جمعیة (الآل والأصحاب) فی البحرین، والدكتور محمد مصطفى (أبو شوارب) رئیس قسم اللغة العربیة فی كلیة التربیة فی جامعة الإسكندریة، وصباح الخزاعی مدرس الریاضیات بكلیة بیستول فی بریطانیا([113])، كما سیشارك معنا بمداخلات هاتفیة فی البرنامج الدكتور السید محمد القزوینی أستاذ الحوزة العلمیة فی قم، والحائز على درجة الاجتهاد من مراجع التقلید فی حوزة قم بإیران.

وكان قد شارك معنا فی بدایة المناظرات آیة الله الشیخ محمد على الجناحی من علماء الشیعة فی العراق، ونحن نقدّر مساهمته ومشاركته، ونأمل أن یسمح لنا الوقت للاتصال به، وأرجو أن یعذرنا، فقد رأى فی الأیام الماضیة بعض الإشكالیّات، ومنها ما یتعلق فی موضوع توزیع الوقت بین المتناظرین.

خلاصة ما جرى فی الحلقات السابقة

على مدى الأیام الماضیة دافع المشاركون الشیعة بوجه عام عن هذه الروایات، روایات اقتحام باب السیدة فاطمة وكسر ضلعها وإسقاط جنینها؛ وهذه الروایات ردها المشاركون السنة وكذّبوها! كما ردّها الأكادیمی العراقی صباح الخزاعی واعتبرها حادثة غیر صحیحة تاریخیاً ومنطقیاً([114])! والیوم یستمرّ الحوار، آملین أن نصل لمزید من الحقائق حول هذا الموضوع الحسّاس.

الهاشمی: هل الشیخ القزوینی معنا على الخط؟

السید القزوینی: سلام علیكم ورحمة الله وبركاته یا دكتور هاشمی.

الهاشمی: وعلیك السلام ورحمة الله وبركاته.

ردنا على ما ورد من الإشكالات فی الحلقة السابقة

السید القزوینی: أعوذ بالله من الشیطان الرجیم، بسم الله الرحمن الرحیم الحمد لله رب العالمین، وصلّى الله على محمّد وآله الطیبین الطاهرین؛ وبعد:

الأخوة الحضور الأعزاء والمشاهدین الكرام، السلام علیكم جمیعاً ورحمة الله وبركاته.

اعتذر لعدم تمكنی من المشاركة فی الحلقة الماضیة بسبب انشغالی فی إلقاء محاضرة فی قناة السلام الفضائیة، رغم أن الدكتور الهاشمی قد اتصل وطلب منی المشاركة، لكن رغم ذلك فقد اطلعت على ما قاله الأخوة المحاورون الأعزاء.

وللأسف فقد ساءنی كثیراً ما طرحه بعض الأخوة، لا سیما الأخ الحسینی، حیث اتهمنی بالكذب والتدلیس واقتطاع الكلام، فی الوقت الذی نقل هو نفسه كلاماً للشهرستانی كنت قد ذكرته فی الحلقة السابقة، لكن بصورة مجتزأة ومحرفة مما یعد نوعاً من التدلیس الذی عابه الأخ الحسینی على غیره، وهذا یخالف أدب الحوار فضلاً عن الخلق الإسلامی الرفیع الذی یجب علینا جمیعاً أن نتحلى به.

كما أنّ الأخ الحسینی قد استخدم عبارات قاسیة وألفاظ حادّة، لا أظنها تلیق بشأنه كمسلم متعلّم وأكادیمی، وسوف لن أردّ علیه، بل سأكتفی بالقول: سلاماً.

الحسینی یدلس ولم یذكر الحقائق

وسأدخل فی صلب الموضوع، لأقول فی البدایة: إنّ الأخ الحسینی لم یذكر لنا اسم المصدر الذی أخذ منه قوله حول الجوینی بأنّه: “حاطب لیل”، مع أنّ كون الرجل حاطب لیل لا یدلّ على ضعفه، فهذا ابن جریج ـ مثلاً ـ والمجمع على كونه ثقة نرى أنّ الذهبی یقول فی حقّه: “كان ابن جریج حاطب لیل”([115])، أمّا بالنسبة إلى ما نقلته عن الشهرستانی عن النظّام فسأتحدث عنه لاحقاً إن شاء الله تعالى.

الروایات الصحیحة حول مسألة الهجوم على بیت فاطمة(علیها السلام)

هذا فیما یخصّ الحلقة الماضیة من الحوار، أمّا فی هذه الحلقة فسأذكر بعض الروایات الصحیحة حول مسألة الهجوم على بیت السیدة الصدیقة الزهراء لكی نناقشها مع الإخوة الحضور الكرام، وهنا أطلب من فضیلة الدكتور الهاشمی وبدلاً من أن یكتب على الشریط التلفزیونی الخاص بقناته: أن الشیعة لم یأتوا بروایة واحدة صحیحة تدل على قضیة الهجوم على بیت السیدة الصدیقة الطاهرة، أن یكتب بدلاً من ذلك: أن الشیعة قد جاءوا بأربع روایات تدلّ على هذه الواقعة، وأن على إخواننا الأعزاء من أهل السنة أن یناقشوا فی إسناد هذه الروایات الأربعة. والروایات حسب الترتیب:

الروایة الأولى: روایة ابن أبی شیبة    

أشرت فی الحلقة الماضیة إلى روایة ابن أبی شیبة التی وردت فی كتابه (المصنف)، وذكرت بأنّ كلّ رواتها كانوا ثقات، وبخصوص ما ذكره الأخ العزیز (أبو شوارب)، أن أسلم مولى عمر لا یمكن أن ینقل مثل هذه القضیة، لأن الخلیفة عمر بن الخطاب قد اشتراه من مكة بعد ستة أشهر من حصول هذه القضیة، فأقول:

إن المزّی، وهو من كبار علماء أهل السنة، ومن أركان علم الرجال عندهم، قد ذكر بأن أسلم مولى عمر قد أدرك زمان حیاة النبی(ص) ([116])، هذا أولاً.

وثانیاً: أن كون أسلم مولى عمر قد اشتراه من مكة بعد ستة أشهر من حدوث هذه القضیة لا یتنافى مع كونه قد شهد وقوعها، إذ یمكن أن یكون قد تواجد فی المدینة مع مولاه قبل أن یشتریه الخلیفة عمر.

الروایة الثانیة: روایة البلاذری

 والروایة الثانیة: هی روایة البلاذری، المتوفى سنة 270 للهجرة، قال: “إن أبا بكر أرسل إلى علی یرید البیعة...، فجاء عمر ومعه قبس، فتلقته فاطمة على الباب؛ فقالت فاطمة: یا بن الخطاب، أتراك محرّقاً علیّ بابی؟ قال: نعم، وذلك أقوى فیما جاء به أبوك”([117]).

أمّا البحث فی سند هذه الروایة، فالراوی الأوّل فیها هو المدائنی، والذی یقول الذهبی فی حقه: “العلامة الحافظ الصادق... المدائنی الأخباری...، مصدقاً فیما ینقله، عالی الإسناد”([118]).

 وقال یحیى بن معین فی حقّه: “ثقة ثقة ثقة”([119]).

أمّا الراوی الثانی: فهو مسلمة بن محارب وقد وثقه ابن حبان فی كتابه (الثقات)([120]).

والراوی الثالث: هو سلیمان التیمی، قال المزی عن شعبة: “ما رأیت أحداً أصدق من سلیمان التیمی، وكان إذا حدّث عن النبی تغیّر لونه”([121])، وقال عبد الله بن أحمد عن أبیه: “أنه ثقة؛ قال ابن معین والنسائی: أنه ثقة”([122])، وقال العجلی: “تابعیّ ثقة” ([123]).

أما بالنسبة إلى عبد الله بن عون، والذی یقول عنه الإخوة بأنه لم یدرك رسول الله(ص)، فقد ذكر ابن سعد فی (الطبقات الكبرى): “أنه أخبرنا بكار بن محمد قال: كان ابن عون یتمنى أن یرى النبی (صلى الله علیه وآله) فلم یره إلا قبل وفاته بیسیر([124]) فسرّ بذلك سروراً شدیداً”([125])، وإذا ثبت بأنّ عبد الله بن عون من الصحابة فهو لا یحتاج إلى التوثیق طبقاً لما یقول به إخواننا من أهل السنة فی مسألة عدالة الصحابة، ومع هذا فقد قال علی بن المدینی: “لیس فی القوم مثل ابن عون وأیوب، وقال ابن حبان: من سادات أهل زمانه عبادة وفضلاً وورعاً”([126]).

الروایة الثالثة: روایة محمّد بن جریر الطبری

 والروایة الثالثة هی روایة محمّد بن جریر الطبری؛ والتی وردت فی مسألة التهدید بالإحراق، فقد ورد فیها قول عمر بن الخطاب: “والله لأحرقنّ علیكم أو لتخرجنّ إلى البیعة”([127]).

وقد ذكرت فی الحلقة السابقة بأنّ الراوی الأول فیها هو محمّد بن حمید، وهو ثقة، فقد جاء فی تهذیب الكمال للمزی: “سئل یحیى بن معین عن محمّد بن حمید الرازی فقال: ثقة”([128]).

أمّا جریر بن عبد الحمید الضبّی، فبالإضافة إلى أنّه من رواة الصحیحین، وكما هو معروف، فإن هذا الأمر، بحدّ ذاته، ممّا یُستدلّ به على وثاقة الراوی عند أهل السنة، فقد نقل المزی فی (تهذیب الكمال)، عن محمّد بن سعد فی (الطبقات) أنه: “كان ثقة، كثیر العلم”([129]).

وكذلك مغیرة بن مقسم الضبی: فهو أیضاً من رواة الصحیحین، ومضافاً إلى هذا فقد ذكر یحیى بن معین بأن مغیرة بن مقسم: “ثقة مأمون”، وقال النسائی: “مغیرة ثقة” ([130]).

أمّا الراوی الآخر، فهو زیاد بن كلیب، قال العجلی، وهو من كبار علماء الرجال عند أهل السنة: “كان ثقة فی الحدیث” وقال النسائی: “ثقة” ([131])، وقال الذهبی: “حافظ متقن”([132])، وقال ابن حجر: “ثقة”([133]).

الروایة الرابعة: روایة الطبری والذهبی

روى الطبری والذهبی وغیرهما عن أبی بكر أنّه قال عندما حضرته الوفاة: “أما إنّی لا آسی على شیء إلاّ على ثلاث فعلتهنّ... وددت أنی لم أكن كشفت بیت فاطمة وأنْ اُغلق على الحرب”([134]).

ویكفی لتصحیح هذه الروایة ما ذكره ضیاء الدین المقدسی الحنبلی حیث یقول: “هذا حدیث حسن عن أبی بكر”([135])، وضیاء الدین المقدسی من كبار علماء أهل السنة، ومن أعمدة علم الرجال والجرح والتعدیل عندهم، قال فی حقه العلامة الذهبی: “هو الإمام العالم الحافظ الحجة محدّث الشام شیخ السنة...”([136]).

 وقد وقع إشكال عند البعض فی هذا السند من جهة علوان بن داود البجلی، والذی ورد اسمه فی سند هذه الروایة، ولكن وثّقه ابن حبان فی كتابه (الثقات) ([137]).

أما ما قد یقال من أنّ ابن حبّان متساهل فی التوثیق؛ فهذا الكلام ینافی قول الذهبی بحقه بأنّه: “ینبوع معرفة الثقات”([138]). وكذلك قول السیوطی: “فما ذكر من تساهل ابن حبان لیس بصحیح”([139]).

إلاّ أنّ البعض یقول فیه: بأنه منكر الحدیث، وأقول بأن كون الرجل منكر الحدیث لا یدلّ على عدم اعتبار روایاته؛ یقول ابن حجر العسقلانی فی ترجمة حسین بن الفضل البجلی: “فلو كان كل من روى شیئاً منكراً استحق أن یذكر فی الضعفاء لما سلم من المحدثین أحد”([140])، وكما یقول الذهبی أیضاً: “ما كلّ من روى المناكیر یضعّف”([141]).

فهذه الروایات الأربع إذن تتحدث عن قضیة الهجوم على بیت السیدة الزهراء(علیها السلام)، وجمیعها من كتب أهل السنّة وأسانیدها جیاد.

التأكید على أنّ منهجنا قائم على التسامح وعدم الإساءة للمسلمین

وأودّ هنا التأكید مرة أخرى، وقد ذكرت ذلك مراراً وتكراراً، بأنّ منهجی لا یقوم إطلاقاً على الإساءة إلى إخوانی المسلمین السنّة وعقائدهم ومقدّساتهم، بل على العكس من ذلك، فأنا أعتبر الإساءة إلیهم إثماً كبیراً أبرأ إلى الله تعالى منه، بل إنّ منهجی یقوم على طلب الحق والحقیقة طمعاً برضا الله تعالى، ونصرةً لدین الله، ودفاعاً عن شریعة خاتم أنبیاء الله ورسله، وتمسّكاً بمذهب أهل بیته الأبرار الأخیار، الذین أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهیراً، فهم الجادّة الوسطى والعروة الوثقى وحبل الله المتین، وسفینة النجاة التی من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى.

نعم، هناك مسألة مهمة یجب الالتفات إلیها، لكی لا یُساء فهم كلامی، وهی أنّ الإهانة شیء ونقل الروایات والوقائع التاریخیة شیء آخر، فهذه الروایات، وللأسف، موجودة فی تراثنا الدینی، كما أنّ أكثر ما أنقله هو من كتب إخوانی أهل السنّة، فإذا ثبت أنّ هذه الروایات باطلة فهو ما نریده، وناقل الكفر لیس بكافر، وإلاّ فعلینا جمیعاً أنْ نتقبل الحقائق مهما كانت مُرَّة وألیمة، فنحن عندما نذكر الأحادیث والوقائع التاریخیة كما وردت فی بطون الكتب، والتی تكون فی الغالب لعلماء أهل السنة، والتی قد تتضمن فی بعض الأحیان مسّاً أو إساءة أو تجریحاً لهذه الشخصیة أو تلك أو لهذا الصحابی أو ذاك إنّما نهدف إلى إخضاعها للبحث والنقاش العلمی الموضوعی، والدین لا یتأتى إلاّ من أهل العلم والاختصاص والخبرة دون أن نتبنى بالضرورة كلّ ما ورد فی هذه النصوص؛ لأنّ فیها الغث والسمین والصالح والطالح، والفیصل هنا هو العقل السوی والنقل الثابت، وأساسه كتاب الله الذی لا یأتیه الباطل من بین یدیه ولا من خلفه.

ومن هنا فنحن نجدّد الاعتذار إلى إخواننا الأعزاء من مختلف الفرق والمذاهب الإسلامیة إذا كانت النصوص التی ننقلها تتضمن ما یتعارض مع مقدّساتهم أو یسیء إلى أعلامهم. وأرجو من الأخ (أبو شوارب) والذی نثمّن فیه أسلوبه الودی والجمیل فی البیان ـ خلافاً لما سمعناه من الأخ الحسینی لحد الآن ـ أن یتفضّل بمناقشة الروایات التی أوردناها ونحن حاضرون للإجابة على كلّ ما یتفضل به من أسئلة وإشكالات.

دفاعنا عن شبهة التدلیس التی أتهمنا بها الحسینی

أمّا بالنسبة إلى اتهام الأخ الحسینی لی بالكذب والتدلیس، فأمری وأمره إلى الله، لكن أقول: إنّ ما قمتُ به لیس تدلیساً؛ لأنّ اقتطاع جزء من كلام ما وترك الجزء الآخر، والذی لا علاقة له بموضوع البحث لیس تدلیساً، والأخ الحسینی نفسه قد قام بهذا العمل حینما نقل جزءاً من كلام النظام عن كتاب الملل والنحل دون أن یذكر بقیة كلام النظام، حیث حذف بعض العبارات التی تتضمن الإساءة إلى الخلیفة الثانی، رغم ارتباطها بموضوع البحث، ورغم هذا لم اتّهمه بالتدلیس؛ لأنّ أخلاقی لا تسمح لی بتوجیه الاتهامات والإساءة جزافاً إلى أی إنسان مهما أختلف معه فی الرأی، فنحن مهما اختلفنا إخوة تجمعنا مشتركات طویلة وعریضة یجب أن نضعها نصب أعیینا حینما نختلف، لكی نروض أنفسنا على ثقافة الاختلاف، التی هی أمر طبیعی لا یفسد للود قضیة، إلا عند من نصبوا أنفسهم قیّمین على العقل المسلم وكبّلوه بخطوط حمراء ووهمیة ما أنزل الله بها من سلطان، بل هی ممّا اخترعته أدمغتهم الفارغة إلا من الشر، ونفوسهم العدوانیة، وهؤلاء فی طریقهم إلى الزوال والانقراض، قال تعالى: {أَمَّا الزَّبَدُ فَیَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا یَنفَعُ النَّاسَ فَیَمْكُثُ فِی الأَرْضِ}([142]).

الشهرستانی نقل عن النظام وهذا لیس تدلیسا

وأودّ أنّ أوضح هنا نقطة مهمّة؛ وهی أنّنی لم أنقل عن الشهرستانی وإنّما نقلت عن النظّام بواسطة الشهرستانی، فما كان یهمّنی هو عبارة النظام دون غیرها، وأمّا تضعیف الشهرستانی له فهذا أمر آخر لم أكن بصدده، مع أنّی لا أخشى من طرحه؛ لأنّ النظّام هذاـ والذی تحدّث الأخ الحسینی عن تضعیفه، واتهامه بالكذب والرفض من قبل الشهرستانی وغیره، دون أن یشیر إلى ما ورد فی حقه من مدح، خلافاً للمنهج العلمی فی البحث ـ هو نفسه قد مدح من قبل الصفدی، وهو من كبار علماء أهل السنة، حیث ذكر فی الوافی بالوفیات: “كان إبراهیم هذا شدید الذكاء”([143])، كما قال فیه الخطیب البغدادی أیضاً: “إنّ إبراهیم بن سیار أبو إسحاق النظّام ورد بغداد، وكان أحد فرسان أهل النظر والكلام”([144]).

كما ذكر ابن ماكولا فی كتابه (إكمال الكمال) عند ذكره للنظام: “وكان أحد فرسان المتكلمین، وله شعر ملیح رقیق”([145]).

ولا بدّ هنا من الإشارة إلى مسألة مهمّة؛ وهی أننا قد لا نجد ـ وخاصة عند أهل السنة ـ راویاً لم یرد فیه تضعیف أو ذم أو جرح مهما كانت درجة وثاقته حتى من أمثال البخاری ومسلم، بل حتى لو كان من الصحابة، كما یعبر الذهبی عن ذلك بقوله: “ما زال یمرّ بی الرجل الثبت وفیه مقال من لا یُعبأ به، ولو فتحنا هذا الباب [أی باب تضعیف الرواة] على نفوسنا لدخل فیه عدة من الصحابة والتابعین والأئمّة”([146]).

ونقل الذهبی أیضاً وكذلك ابن حجر العسقلانی عن شعبة، وهو من كبار علماء أهل السنة، قوله: “ما رأیت أحداً من أصحاب الحدیث إلا یدلّس، إلا عمرو بن مرّة”([147]).

وأرجو من الأخ الحسینی أن ینظر جیداً فی هذا الكلام قبل أن یتهم الآخرین بالتدلیس والكذب، وإلى الله المشتكى.

الراوی المختلف فیه قد یرتقی حدیثه إلى مرتبة الحسن

كما ألفت انتباه الأخ الحسینی إلى أمر آخر، وهو أنّ الراوی الذی یضعفه جماعة ویوثقه آخرون، مثل هذا الراوی ـ وطبقاً لمبانی إخواننا أهل السنة فی الجرح والتعدیل ـ یبلغ مرتبة الحسن عندهم، فقد نقل ابن حجر العسقلانی فی كتاب (القول المسدد) عبارات فی تضعیف قزعة بن سوید الباهلی وفی توثیقه، ثم حكم علیه بعد ذلك بان حدیثه فی مرتبة الحسن([148]).

وأیضاً فی ترجمته لعبد الله بن صالح، حیث نقل فی تهذیب التهذیب عبارات مختلفة فی توثیقه، ثم نقل كلام ابن القطان، قال: “هو صدوق ولم یثبت علیه ما یسقط له حدیثه، إلاّ أنّه مختلف فیه فحدیثه حسن”([149]).

وهكذا بالنسبة إلى قضیة هشام بن سعد وهانی بن خراش وصلیح بن سلیمان وغیرهم، حیث وضعت أحادیثهم فی مرتبة الحسن رغم أنهم قد تم تضعیفهم بجانب توثیقهم، علماً أنّ حسن الروایة مقبول وفق مبانی علم الرجال عند أهل السنة.

أمّا ما ذكره الأخ الحسینی بخصوص تضعیف النظّام من قبل الشهرستانی؛ فهذا لیس شیئاً جدیداً، ولم یقتصر ذكره على الشهرستانی لوحده، بل هو موجود فی كتب أخرى غیر الملل والنحل، قد أتعرض لذكرها إن شاء الله تعالى وسنحت لی الفرصة.

أمّا بخصوص ما ذكره الأخ (أبو شوارب) من أن أمیر المؤمنین(علیه السلام)، قال: «من ضرب بیده عند فخذه عند مصیبة حبط أجره»؛ ومن ثمّ هجومه على الشیعة لكونهم یضربون صدورهم ورؤوسهم لإظهار الحزن عند المصیبة، وبالتحدید مصیبة سید الشهداء(علیه السلام) وعیاله وأصحابه.

فأقول: إنّ مثل هذه العبارة موجودة فی كتاب نهج البلاغة، ولكن یوجد فی نهج البلاغة أیضاًـ والذی نقل عنه الأخ (أبو شوارب) هذه العبارة ـ قول آخر عن أمیر المؤمنین(علیه السلام) یخاطب فیه رسول الله(ص) بالقول: “یا رسول الله، إنّ الجزع لقبیح إلا علیك”([150])، وهذا الكلام الوارد عن أمیر المؤمنین ینطبق تماماً على ما یقوم به شیعته من إظهار الحزن بطرق مختلفة، منها البكاء أو لطم الصدور؛ لأنّ المحزون علیه هو ابن بنت رسول الله(ص)، والذی جرى علیه ما جرى بسبب تمسكه بسنة جده ودفاعه عنها، وطلبه للإصلاح فی أمة جده، وأمره بالمعروف ونهیه عن المنكر.

الحزن على أئمة الهدى لیس من سنخ الجزع المذموم

وأنوّه هنا إلى أنّ كلام أمیر المؤمنین الذی ذكرته، ینطوی على حقیقة موضوعیة تنطبق على منهج الشیعة فی الحزن على أئمتهم، وهی أنّ الحزن على أئمة الهدى وفی مقدمتهم النبیّ الأكرم(ص) هو لیس من سنخ الجزع العادی المذموم والمنهی عنه؛ وذلك لأنه یمثل انتصاراً للحق ورفضاً للظلم وإنكاراً للباطل. ولا أدری لماذا لم یتطرق الأخ (أبو شوارب) إلى هذا الكلام؛ خصوصاً وأنّه یرتبط بالموضوع الذی طرحه؟ والمفروض بالباحث العلمی المتجرد عن نوازع النفس والشیطان أنْ یستقصی كلّ جوانب القضیة التی یرید طرحها؛ خصوصاً وأنّها تمس فئة كبیرة من المسلمین تهجّم علیهم الأخ (أبو شوارب) استناداً إلى هذا الكلام الذی نقله عن كتاب نهج البلاغة.

السیدة عائشة ضربت وجهها حزنا على وفاة رسول الله(ص)

وعلى ضوء ذلك یمكن لنا أن نفسر ما قامت به السیدة عائشة من ضرب وجهها حزناً على وفاة رسول الله(ص)، حیث روى ابن حنبل عن عائشة قولها: “قمت ألتدم مع النساء وأضرب وجهی»([151])، فلو كان الضرب على الفخذ یوجب إحباط العمل بالمطلق فكیف سیكون الحال بالنسبة للالتدام وضرب الوجه الذی قامت به السیدة عائشة؟

رد وتصحیح على أبی شوارب لأنه قطع كلام أمیر المؤمنین

كذلك ذكر السید (أبو شوارب) أنّ أمیر المؤمنین نهی أصحابه أن یكونوا سبّابین شتامین ولعانین؛ وهذه العبارة لم ترد فی نهج البلاغة بالشكل الذی عبّر به السید (أبو شوارب)، أی لم یرد فی نهج البلاغة أنّ أمیر المؤمنین نهى أصحابه أنْ یكونوا سبّابین أو شتامین أو لعانین؛ بل إنّ الموجود فیه هو أنّ أمیر المؤمنین قد سمع قوماً من أصحابه یسبّون أهل الشام فقال: “إنّی أكره لكم أنْ تكونوا سبابین» أمّا كلمتی (شتامین ولعانین) فالظاهر أنهما من وحی خیال الأخ (أبو شوارب)، هذا مضافا إلى أنّه قد ورد وفی نفس هذه الخطبة أن أمیر المؤمنین قد خاطب أصحابه بقوله «ولكن لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب فی القول وأبلغ فی العذر»([152]). فأمیر المؤمنین، فی الوقت الذی نهى أصحابه عن السب، أمرهم أن یذكروا ما صدر منهم من أعمال مخالفة لكتاب الله وسنة نبیه، ولا أدری لماذا تجاهل الأخ (أبو شوارب) بقیة كلام أمیر المؤمنین؟ لأنّ روح البحث العلمی وأصوله تقتضی أن یتحرى الدقة فیما ینسب إلى أمیر المؤمنین(علیه السلام)، وأنْ ینظر فی بقیة كلام الإمام؛ لأنّه یرتبط بموضوع البحث ارتباطاً مباشراً، بل هو تكملة لكلامه(علیه السلام)، وإذا كان هناك من هو أولى بأن ینعت بالسبّاب والشتّام واللّعان فهو معاویة بن أبی سفیان، حیث یقول السیوطی: “إنّه كان فی أیام بنی أمیة أكثر من سبعین ألف منبر یلعن علیها علی بن أبی طالب(علیه السلام) بما سنه لهم معاویة من ذلك”. وفی ذلك یقول العلامة أحمد الحفظی الشافعی فی أرجوزته:

“وقد حكى الشیخ السیوطی أنه*** قد كان فیما جعلوه سنّه

 سبعون ألف منبر وعشره *** من فوقهن یلعنون حیدرة”([153]).

كما ورد فی صحیح مسلم أیضاً: “أمر معاویة بن أبی سفیان سعداً [أی سعد بن أبی وقاص]، فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب”([154]).

وكان الأولى بالسید (أبو شوارب) أن یتهجم على معاویة لا على شیعة النبی(ص) وآله، خصوصاً وأنّ معاویة یسبّ خلیفة رسول الله وابن عمّه وزوج ابنته، أمّا الشیعة فیلعنون من ظلم آل محمّد وبخسهم حقهم، من أمثال یزید الفاجر الفاسق قاتل ابن بنت رسول الله(ص) وأتباعه وأشیاعه إلى قیام یوم الدین.

كلام الهاشمی

الهاشمی: طیِّب، إذن اسمع، أطال الله فی عمرك، تعلیقات الأخوة الحاضرین، وسأبدأ بأقربهم إلیَّ فی المجلس وهو الأخ الدكتور محمد مصطفى (أبو شوارب)؛ نستمع وإیاكم مشاهدینا الكرام إلى تعلیق الأكادیمی المصری، رئیس قسم اللغة العربیة فی كلیة التربیة فی جامعة الإسكندریة على ما تحدث به السید القزوینی من الحوزة العلمیة فی قم، تفضل:

تعلیق الدكتور (أبو شوارب)

بسم الله الرحمن الرحیم والحمد لله رب العالمین والصلاة والسلام على أشرف المرسلین سیّدنا محمّد، علیه وعلى آله وصحبه ومن اتبعه بإحسان إلى یوم الدین خیر صلاة وأزكى سلام.

أیّها الأخوة الأعزاء: فی البدایة أشكر آیة الله محمّد القزوینی على هذه المداخلة، وهذا العرض، ولكنّنی فی الحقیقة، أراه مصرّاً على تثبیت تهمة من أشنع التهم على صحابة النبیّ(ص)، وهی تهمة الاعتداء على السیّدة فاطمة الزهراء (رضی الله عنها وصلّی وسلّم على أبیها وآله وصحبه أجمعین).

هذه التهمة الموجهة إلى عمر بن الخطاب (رضی الله عنه وأرضاه) بشكل مباشر؛ لأنه كما تدّعی الروایات منفّذ هذه الجریمة، وربما یدرك كثیرون أنّ السرّ الرئیس فی هذا الاتهام یرجع إلى حقد بعض من دخلوا الإسلام منافقین متظاهرین بهذا الدین من عبدة النار بعد أن أطفأ عمر بن الخطاب نارهم وأزال ملكهم، فدسّوا علیه هذه الروایات المكذوبة، بل قتله أحد متعصبیهم وهو أبو لؤلؤة الفارسی([155]).

إنّ آیة الله القزوینی مصرّ إصراراً عجیباً على أنّ هناك أربع روایات تؤكد الحادثة، ویطلب من الدكتور الهاشمی أن یغیّر فی الشریط ویقول: إنّ هناك أربع روایات صحیحة؛ وأنا الآن لا أدخل معه فی تفاصیل الحدیث عن الرجال فی هذه الروایات إلا قلیلاً([156])، لكن جمیع هذه الروایات بنصّها لا تشیر من قریب أو بعید إلى وقوع الجریمة([157]).

أبو شوارب یضعف الروایات بلا ضابطة علمیة

إنّ كلّ هذه الروایات ضعیفة، وسنضعفها بإذن الله([158])، لكن أقربها إلى الصحة هی روایة وردت فی مصنف ابن أبی شیبة، وهو مصدر، كما قلنا مراراً وتكراراً، لا یعتمد الصحة فی ما یروی، یعنی أنّه لا یشترط أن تكون المرویات فیه صحیحة([159]).

أما نص هذه الروایة ففیها تهدید فقط، كما أنه موجود عند البلاذری وابن جریر الطبری أیضاً؛ كل الروایات التی ذكرها سماحة آیة الله القزوینی لا تؤكد الواقعة وإنما تشیر إلى أن عمر بن الخطاب (رضی الله عنه وأرضاه) هدد بإحراق الباب، كل ما فی القصة أنها قالت له: “لتحرقنَّ علیّ بابی؟!”. كما قالت له السیدة فاطمة فی روایة البلاذری: “أتراك محرِّقا على بابی؟!”، هذه هی التهمة الموجهة إلى عمر بن الخطاب، لا أكثر ولا أقل.

رغم أنّ هذه الروایات ضعیفة ولیست ثابتة، وسماحة القزوینی من علماء الرجال وهو مختص فی هذا، ومن ثمّ فهو یعلم أنّ فارقاً كبیراً جداً عند المحدثین بین منهج الروایة ومنهج الدرایة، فالعلماء الذین روى عنهم جمیعاً یتخذون من الروایة أساساً لتألیفهم، یعنی هم یشترطون صحة النقل دون صحة المنقول([160]), مع أنّ كلّ هذه الروایات وضعت لتكریس الكراهة فی صحابة النبی(ص) وخاصة الإمام عمر بن الخطاب (رضی الله عنه وأرضاه).

كما أنّ آیة الله القزوینی، وغیره من علماء الشیعة الأفاضل الذین شاركوا معنا فی هذه الحلقات والمراجع من ورائهم، عجزوا عجزاً مطلقاً عن أن یأتوا بروایة واحدة صحیحة، أو حتّى غیر صحیحة! منسوبة للإمام علی بن أبی طالب یتكلّم فیها عن هذه الجریمة، جریمة الاعتداء على السیدة فاطمة وكسر الضلع وإسقاط الجنین، فهذه المسألة مسألة محسومة، فلا توجد روایة عن أصحاب الشأن تشیر إلى هذا الحدث، فهل أنتم ملكیّین أكثر من الملك([161])؟ هل رجال الشیعة فی القرن الثالث الهجری والقرن الرابع الهجری وما تلاهم أكثر حرصاً من صاحب القضیة([162])؟ أعتقد أنّ هناك أمر غائب فی هذه المسألة.

ومن حقنا أن نتساءل: لماذا یتجاهل السید القزوینی هذا السیل من الروایات الصحیحة التی وردت فی كتب السنة وكتب الشیعة عن علی بن أبی طالب (رضی الله عنه وأرضاه) وعن الحسن وعن الحسین وعن علی زین العابدین وعن محمد الباقر وعن جعفر الصادق وعن على الرضا (علیهم جمیعاً سلام الله)، لماذا یتجاهل هذه الروایات الصریحة التی صدرت عن هؤلاء الأئمة العظام أبناء محمد(ص) فی الثناء على الصحابة، وفی الثناء على أبی بكر وعمر، ولو یسمح لی المشاهد الكریم سأقرأ بعض هذه الروایات([163]):

مدح النبی(ص) للصحابة

روی فی بحار الأنوار للمجلسی فی (ج22: ص 103 وص300) حدیثاً عن علی بن أبی طالب (رضی الله عنه وكرم الله وجهه) عن النبی(ص) یقول الإمام علی: أنه سمع رسول الله یقول: “طوبى لمن رآنی أو رأى من رآنی أو رأى من رأى من رآنی”([164]).

ثناء الإمام علی على الصحابة

یقول الإمام علی بن أبی طالب فی نهج البلاغة (ص 143): “لقد رأیت أصحاب محمد (صلى الله علیه وسلم) فما أرى أحداً یشبههم منكم، لقد كانوا یصبحون شعثاً غبراً، وقد باتوا سجداً وقیاماً یراوحون بین جباههم ویقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأن بین أعینهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعینهم حتى تبلّ جیوبهم ومادوا كما یمود الشجر یوم الریح العاصف خوفاً من العقاب ورجاء بالثواب”.

هكذا یصف علی بن أبی طالب ـ أیها المسلمون من السنة والشیعة فی كل بلاد المسلمین شرقاً وغرباً ـ هذا هو وصف علی بن أبی طالب لصحابة النبی (صلى الله علیه وسلم)، فكیف یجرأ من یدعون أنهم أتباع علی، وأن خلافهم معنا ـ إلى یوم الناس هذاـ بسبب أن جیلاً من الصحابة غصبوا حق علی, لو كان هذا صحیحاً كیف یمدحهم بهذا المدح([165]).

وقد رویت بالأمس خمس روایات صحیحة، ولم یعلق علیها الشیخ القزوینی، فی أن علیاً (كرم الله وجهه) كان قد سارع إلى البیعة وقدّمها علیٌّ طائعاً([166]).

إضافة إلى ما ورد فی البخاری وغیره أنه كان لعلی من الناس وجه حیاة فاطمة، فلما توفیت استنكر علی وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبى بكر ومبایعته، ولم یكن بایع تلك الأشهر، فأرسل إلى أبى بكر أن ائتنا ولا یأتنا معك أحد([167]).

الهاشمی [مقاطعاً]: هذه نصوص فی عموم الصحابة، هل هناك شیء عن المتهمین الاثنین (یقصد عمر وأبا بكر).

أبو شوارب: نعم، نعم، اسمح لی.

الهاشمی: الأفضل أن تتحدث عن أبی بكر وعمر فهما المعنیین بالحوار.

أبو شوارب: حین قرر عمر بن الخطاب (رضی الله عنه وأرضاه) أن ینشر الإسلام فی بلاد الروم كما نشره فی بلاد الفرس، وقرر أن یجهز جیشاً لغزو بلاد الشام، قرر ـ لأن المهمة جلیلة وعظیمة ـ أن یكون بنفسه على رأس هذا الجیش، فجمع أصحابه ومستشاریه، وقد كان علی بن أبی طالب من كبار أصحاب عمر ومستشاریه، بل ربما كان مستشاره الأول فی كثیر من الأحیان([168])، ماذا قال له علی ـ لو فرضنا أن علیاً كان یكره عمر؛ لأنه أحرق الدار وساعد أبا بكر على اغتصاب الخلافة، لو أن هناك ضغائن بین الرجلین، لقال له: یا حبذا هذا، أخرج على رأس الجیش عسى أن یأتیك سهم طائش أو أنْ تصیبك حربة أو أن یشق رأسك سیف([169])، انظر ماذا یقول له الإمام علی:..

الهاشمی [مستدركاً]: قبل أن تقرأ نصّه، أرید أن أذكِّر بما یقوله بعض الباحثین المعاصرین فی وصف خروج المسلمین آنذاك بتوجیه من الخلیفة إلى الشام للمساهمة فی تحریره من الحكم الدیكتاتوری البیزنطی، الذی یصادر حریاتهم الدینیة وحقوقهم الشخصیة ولنشر الدین، إنها كانت مواكب تحریر ولم تكن مواكب غزو فقط، هذا هو القصد، نواصل الآن وإیاك.

أبو شوارب: هذا توضیح هام منك، لكن جمیع المسلمین یفهمون هذا الأمر بشكل واضح، ولكن قد یسمعنا غیر المسلمین، ویسمعنا الباحث عن التاریخ، فلا ضیر.

هذه الكلمة فی نهج البلاغة فی الخطبة رقم (134)یقول علی بن أبی طالب: “إنك متى سرت إلى هذا العدو بنفسك (یوجه حدیثه إلى عمر بن الخطاب) فتلقهم فتنكب لا تكن للمسلمین كانفة، (یعنی: لا تكن للمسلمین عاصمة, أنت یا عمرـ هكذا یقول علی لعمر بن الخطاب ـ حصن الإسلام فلو نكبت ـ أی: لو قتلت ـ فلن یكون للمسلمین حصن یعصمهم) دون أقصى بلادهم (لیس بعدك مرجع یرجعون إلیه)، فابعث إلیهم رجلاً محراباً (یعنی: كثیر الحرب)، واحفز معه أهل البلاء (یعنی: أهل الشدة) والنصیحة، فإن أظهر الله فذاك ما تحب وان تكن الأخرى (یعنی: الهزیمة) كنت ردءاً (یعنی: ملجأ) للناس ومثابة (یعنی: مرجعاً للمسلمین)”. فعلی بن أبی طالب یعتقد أن عمود الإسلام هو عمر بن الخطاب([170]).

هذا هو عمر بن الخطاب الذی یحتفل بعض إخواننا الشیعة بمقتله، وهم یعلمون منزلته وقدره عند علی بن أبی طالب (رضی الله عنه وأرضاه).

ویقول أیضاً عن عمر بن الخطاب فی شرح نهج البلاغة: فی ج 4 ص108: “وولیهم وال فأقام واستقام حتّى ضرب الدین بجرانه”.

والوالی یرید به النبیّ (صلّى الله علیه وسلّم)، وولیهم أی تولى أمورهم وسیاسة الشریعة فیهم، وقد قال قائل یرید به عمر بن الخطاب([171]).

 وصف الإمام الباقر لأبی بكر بالصدیق

كما سئل الإمام محمد الباقر (علیه سلام الله) عن حِلْیَة السیوف بقطع من المعادن فقال: “كان أبو بكر الصدیق یحلی سیفه، فلا بأس. فقال له السائل ـ وهو من الشیعة الذین یسمعون سب أبی بكر وعمرـ: أتقول الصدیق؟! فوثب الباقر وثبة انتفاضة وغضب وقال: نعم الصدیق، نعم الصدیق، فمن لم یقل الصدیق فما صدق الله له قولا فی الدنیا والآخرة”. هذا فی كتاب (كشف الغمة) للأربلی ج2 ص147، وهذا الكتاب من مراجع الشیعة([172]).

روایة زید بن علی بن الحسین فی مدح الشیخین

وأیضاً یقول الإمام زید بن علی بن الحسین (علیه سلام الله) عن الشیخین أبی بكر وعمر: “ما سمعت أحداً من أهل بیتی یذكرهما إلا بخیر”. وقد جاء هذا فی تاریخ الطبری: ج7 ص180([173]).

دعوى أن الإمام الباقر قال: أنا لست بمنكر فضل عمر

كما یقول الباقر أیضاًـ وقد جاء هذا الكلام فی كتاب الاحتجاج للطبرسی ـ: “ولست بمنكر فضل أبی بكر ولست بمنكر فضل عمر ولكن أبا بكر أفضل من عمر”([174]).

أبو بكر وعمر إمامان عادلان قاسطان كانا على الحق

هذا وقد سُئل الصادق عن الشیخین أبی بكر وعمر, فقال: “إمامان عادلان قاسطان كانا على الحق وماتا علیه، فعلیهما رحمة الله یوم القیامة”، وهذا فی إحقاق الحق للشوشتری([175]).

فروایات أهل البیت التی تثنی على الصحابة لا تنتهی، ففی الصحیفة السجادیة ـ اعتقد أنّ الشیخ القزوینی یحفظها عن ظهر قلب ـ الثناء فیها لا ینقطع عن صحابة النبی (صلى الله علیه وسلم وعلیهم جمیعاً رضوان الله).

أما ما ذكره آیة الله القزوینی عن أنه (حفظه الله) لا یسب صحابة النبی (علیه الصلاة والسلام) فی جمیع مجالسه، فنقول له: ألیس الحرص على إثبات هذه التهمة الشنیعة على أبی بكر وعمر نوع من أنواع السب؟ إلا تجد فیه سباً للصحابة؟

ثم إن كنت أنت بنفسك تمتنع عن السب فما هو مرجع هذا الانتماء؟ هل اعتقادك بعدالة صحابة النبی (صلى الله علیه وسلم) هو الذی یمنعك منه؟ فلا بد أن یكون هناك موقفاً عاماً من علماء الشیعة بذلك، وهذا ما ندعو إلیه إن كنا نرید أن تخلص النوایا فی شأن الإصلاح والجمع بین المسلمین.

لقد قرأت بالأمس نصوصاً عن كبار علماء الشیعة المتأخرین والمعاصرین, قرأت نصوصاً عن المجلسی وعن المیلانی، وهو معاصر، وعن آیة الله العظمى الخمینی وهی تصر على سب لیس الصحابة فقط وإنما جمیع أهل السنة، هل تتبرأ من هذا الكلام؟ لقد تحدثت عن القائد آیة الله العظمى علی الخامنئی وقلت: إنه حریص على عدم سب الصحابة فی مجالس العزاء، علی الخامنئی من تلامیذ الخمینی، والخمینی یسب الصحابة، بل أنه یسب أهل السنة جمیعاً, فهل تتبرأ من هذا الكلام یا آیة الله القزوینی([176])؟

ونحن نرى أن سب الصحابة والطعن فی عدالتهم مسألة فی منتهى الخطورة، هذه الخطورة تكمن فی أننا لو اتهمنا هؤلاء الناس وجرحناهم، هؤلاء العظام الذین اختارهم الله ـ یجب على كل مسلم أن یعلم أن الله سبحانه وتعالى كما اختار محمداً (صلى الله علیه وسلم) لیكون خاتم الرسل والنبیین، ولیكون صاحب الرسالة الخاتمةـ اختار له أصحاباً ینصرونه ویعینونه ویؤیدونه، فلو لم ینصر الله محمداً (صلى الله علیه وسلم) بالمهاجرین والأنصار أترى أن تقوم للإسلام قائمة؟

 لو لم یقف أبو بكر الصدیق (رضی الله عنه وأرضاه) هذه الوقفة الحازمة أمام المرتدین هل كان الإسلام سیستمر، لو لم یقم عمر بن الخطاب (رضی الله عنه وأرضاه) بنشر رسالة الإسلام وتحریر الشعوب فی مشارق الأرض ومغاربها من نیر الاحتلال والدیكتاتوریة البیزنطیة ومن أوهام الشرك وعبادة النار هل كان الإسلام سینتشر؟

وهنا كلمة أخیرة أود أن أقولها وهی: إن الإمام أبو زرعة الرازی یقول ـ فیما رواه عنه الخطیب البغدادی فی كتابه (الكفایة فی علم الروایة) فی صفحة 97 ـ: “إذا رأیت الرجل ینتقص أحداً من أصحاب رسول الله (صلى الله علیه وسلم) فاعلم أنه زندیق”, وكلمة زندیق فی ذلك العصر ـ أی القرن الثانی والثالث الهجری ـ تعنی الكافر، “وذلك أنّ رسول الله (صلّى الله علیه وسلّم) عندنا حق والقرآن حق، وإنّما أدّى إلینا القرآن والسنن أصحاب رسول الله (صلّى الله علیه وسلّم)”، من أین جاءنا القرآن؟ ومن أین جاءتنا سنة النبیّ؟ ألیست شریعتنا قائمة على النص القرآنی وعلى أحادیث النبی (صلى الله علیه وسلم)؟ من الذی نقل إلینا القرآن ومن الذی نقل إلینا السنة؟ ألیسوا أصحاب النبی (علیه الصلاة والسلام)([177])، إنّ الله حق وأنّ محمّداً حقّ والقرآن حقّ وإنّما أدّى إلینا القرآن والسنن أصحاب رسول الله (صلى الله علیه وسلم)، وإنما یریدون أن یجرحوا شهودنا، هؤلاء أعداء الإسلام الذین یطعنون فی الصحابة، ویطعنون فی زعماء الصحابة أبو بكر وعمر لیسوا من المسلمین، إنهم أعداء للإسلام, لماذا: “لأنهم یجرحون شهودنا لیبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة” ([178]).

فهذا هو الحقد القدیم الذی حقده بعض عباد النار على أبی بكر وعمر، وأرادوا أن یشوِّهوا الدین الذی نصروه، لم یجدوا مطعناً على الإسلام، فاتخذوا من صحابة النبیّ (علیه الصلاة والسلام) هدفاً لأنّهم هم الوسیلة التی نقلت لنا الإسلام([179]).

الهاشمی: شكراً دكتور، أبدأ من الأخ صباح الخزاعی، تفضل أستاذ صباح.

تعقیب صباح الخزاعی على كلامنا المتقدم

بسم الله الرحمن الرحیم السلام علیكم ورحمة الله وبركاته، لقد قلت مراراً إننی رجل أكادیمی ولست فقیهاً فی الإسلام، لكننی أفهم وأحلل وتكون لدی ردة فعل لما یقال([180]).

إن الذی ذكره الدكتور السید محمد القزوینی یجعلنی أصل إلى نتیجة واحدة وهی أن أبا بكر وعمر من الضالین، وتكون النتیجة أن كل الإسلام الذی جاؤوا به باطل، فإنهما بعملهما الشائن هذا، وهذه الجریمة الكبرى، یمكن أن نستنتج منها أنهما لا یستحقا السب فقط بل یمكن الحكم علیهما بالضلال([181]).

فالسید القزوینی یرید أن یقنعنی بقوله أن أبا بكر وعمر عملوا ما عملوا، وبالنتیجة سیكون الإسلام العظیم الذی وصل إلى كافة الأمم قاطبة إسلام باطل، إسلام یستند على إثنین من أكبر المجرمین والظالمین، مما یعنی أنه حتى القرآن غیر صحیح، وكذلك الأحادیث غیر صحیحة، وحتى الغزوات غیر صحیحة، وكذلك التاریخ غیر صحیح، فهل هذا معقول؟ فعلینا حسب هذا التحلیل أن ننتحر جمیعاً([182]).

كلام الخزاعی بعید عن منطق أهل العلم

عندما أسمع القصص التی رویتها من بطون الكتب فباعتقادی أنه لیس لها سند صحیح، وهذا یذكرنی بمسرحیات شكسبیر، فهذه المسرحیات تمثل وتخرج بأشكال مختلفة منذ قیام المسرح لحد الآن، فالمسرحیة هی نفسها لكن تجدها فی مكان آخر على شكل آخر وإخراج آخر وتمثیل آخر، القصة المفتعلة هی نفسها لكن تجدها فی بطون كتب أخرى مخرجة إخراج آخر لأجل الإقناع.

طبعاً أنت لا تسب الصحابة ولا الخامنئی یسبهم فی مجالسه، وهذا صحیح، ولكن المشكلة أنّ السواد الأعظم هو الذی یسب الصحابة والسبب أنتم، فأنتم تحرضون الناس علیه، والناس مثلی وأمثالی الذی غُرِّر بنا، نحن الذین نسب، فهل الإسلام هو دین السب، أنت تقول إنّ الإمام علی قال فی خطبته فی صفین لا تسبوا فقط، یعنی یحق لنا أن نلعن ونلعن، وهذا غیر معقول([183]).

إضافة إلى ذلك؛ أنك ذكرت أن اللطم جائز، فهل أن الإسلام یعلمنی اللطم؟ ولماذا ألطم؟ فإن كانت هناك مصیبة فما هی إلا قضاءً وقدراً، وهذا یعنی إننی أحتج على قرار الله سبحانه وتعالى، ولكن هذا خلاف ما أوصانا به حیث قال: إذا إصابتكم مصیبة فقولوا إنا لله وإنا لیه راجعون([184]).

وكذلك فی مسألة فدك، فإذا منح النبی(ص) فدكاً لفاطمة (سلام الله علیها) فما الذی منحه لبقیة أخواتها، لكی یكون عادلاً فی قسمته، وكذلك إلى زوجاته, وإلا فهذا شیء خطیر, تریدون أن تقولوا إنّ الرسول كان ظالماً فی قسمته([185]).

وهل أنّ أبا بكر أخذها [أی فدك] لنفسه، أم أرجعها إلى بیت مال المسلمین، فهذا أمر مهم جداً، فهل هی الشخصنة أم هی مصلحة الإسلام، فالرسول(ص) كان یعمل لمصلحة الإسلام، فإذا كانت فدك له فلماذا یعطیها لفاطمة؟ ولكنه أخذها لكی یحسن ویتصدق على الناس المحتاجین، فعندما مات الرسول(ص) لا بد أن ترجع إلى بیت المال وهذا هو الأصلح، فالمال العام یجب أن ینتفع به الآخرون، ولیس حكراً على أحد، فإذن فدك رجعت إلى بیت مال المسلمین لكی یستفید منها المسلمون، ولم یدخل قرشاً واحداً فی جیب أبی بكر (رضی الله تعالى علیه) إذ مات بعد سنتین ونیف وقابل ربه([186]).

یبدو أنه لیس هنالك ترابطٌ فی حدیثی ولكن أرجو أن تعذرونی ([187]), توجد امرأة اسمها أسماء بنت عمیس كانت زوجة لجعفر بن أبی طالب شقیق الإمام علی (سلام الله علیه)، وعندما مات زوجها تزوجها أبو بكر الصدیق (رضی الله تعالى عنه)، وولدت له ولداً اسمه محمداً، وهو الذی ولاّه علی بن أبی طالب على مصر، ولما مات أبو بكر الصدیق، تزوجها علی فولدت له یحیى, ألا ترون أنّ هنالك لحمة واحدة؟ فهل یجوز أن تكسّر هذه اللحمة؟

مداخلة قصیرة لأبی شوارب

أبو شوارب: اسمح لی أخ صباح على المقاطعة، السیدة أسماء بنت عمیس هی التی كانت تمرّض السیدة فاطمة الزهراء فی مرضها الأخیر، وهی التی غسلتها وهی التی كفنتها، تخیل زوجة أبی بكر الصدیق هی التی تمرّض فاطمة وترعاها فی أیامها الأخیرة وفی لحظاتها الأخیرة، انظر إلى العلاقة الوشیجة بینهما([188]).

عودة لكلام الخزاعی

الخزاعی: أرید أنْ أذكر بعض الآیات, والتی أنا مقتنع بها اقتناعاً تاماً، لقد طلبت من الله أثناء خروجی إلى هذه الندوة أن أوفق ولا ارتكب معصیة، وقلت: یا ربّ، إن لم یكن كذلك فاجعل لی عارضاً حتّى لا أشارك فیها؛ لأنی أخاف من الله وعقابه وحسابه یوم القیامة([189])، وإلیك الآیات التی تمدح الصحابة:

 أعوذ بالله من الشیطان الرجیم، بسم الله الرحمن الرحیم: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِینَ وَالأنصارِ وَالَّذِینَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِیَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} سورة التوبة آیة 100، الله رضی عنهم وهم رضوا عنه، ما معنى رضوا عنه: یعنی رضوا أن الله الواحد الأحد الصمد، ما معنى الصمد، الصمد یعنی كل الحاجات له ولیس لشخص آخر أو إمام آخر.. {لقَدْ رَضِیَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِینَ إِذْ یُبَایِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} سورة الفتح آیة 18. {ورِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} سورة التوبة آیة 72. {وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِینَ}. {وَسَلامٌ عَلَیْهِ یَوْمَ وُلِدَ وَیَوْمَ...}، یعنی السلام على الأنبیاء حقیقة([190]).

أنا لا أستطیع أن أضیف أكثر من هذا فی الوقت الحاضر، یمكن أن تكون لی مداخلة أخرى، ولكن فی نهایة الحدیث أرید أن أقول شیئاً واحداً: بالله علیكم أیها الناس، أیها العلماء؛ ألا یكفی الطائفیة والمذهبیة؟ ألا ترون ماذا حدث ویحدث بالعراق؟ أربع ملایین مهجّر خارج العراق وملیونین داخل العراق، قتل فی الشوارع على الهویّة باسم الطائفیّة، جمیع الأحزاب لا یمكن أن تصعد إلى دفة الحكم إلا بالطائفیة، لا یجوز شرعاً أن نستخدم الطائفیة والمذهبیة فی سبیل قتل بعضنا البعض الآخر.

یا أهلی من الشیعة، یا أهلی من السنة، أننا والله لا نعرف الفرق بین السنة أو الشیعة([191]), إنكم بخیر، لا تستمعوا إلى هذه الأقاویل، إنها قصص مفبركة، هؤلاء علماء باحثون یعرفون ماذا یحدث، وأنا الشخص البسیط أمامكم بمستوای الأكادیمی البسیط اكتشفت أنها والله العظیم فبركة غیر اعتیادیة([192])، یریدون أن یسقطوا رموز الإسلام، أنا أتحداهم أن یذكروا خالد بن الولید بخیر، أو أن یذكروا صلاح الدین الأیوبی بخیر أیضاً([193]).

كنت أتحاور مع شخص عراقی شیعی حول قضیة فلسطین، فقلت له: نحتاج إلى رجل كصلاح الدین الأیوبی؛ لیحررها من نیر الاحتلال، فتململ  واضطجر من قولی! قلت له: ما هو رأیك؟ قال: هذا مجرم! فصعقت ـ وبمناسبة الكلام: أن صلاح الدین الأیوبی غیر عربی، إنه كردی مسلم من تكریت من العراق ـ.

 قلت له: لماذا؟ قال: إنه أكثر القتل فی وقته، وعندما بحثت فی التاریخ عرفت السبب، وهو أنه قضى على الدولة الفاطمیّة الإسماعیلیة فی مصر، فلهذا هم یكرهونه.

الدولة الفاطمیّة لا نقول كلها سیئة، ولكن الذین ترعرعوا فی ذلك الوقت هم الذین دسّوا هذه السّموم، وكذلك عندما حكمت الدولة الصّفویّة فی إیران هنالك من بثّ هذه القصص أیضاً([194]).

الآن إذا حكمت دولة شیعیة فی العراق فهذا شیء جید, وإذا حررتنا المقاومة العراقیّة من الاحتلال الامریكی، هل تقولون أن المقاومة مجرمة مثل صلاح الدین؟ وهل من المعقول أن أمریكا لها مصالح لتثبیت الإسلام من خلال الشیعة بالعراق، إذا كانت هذه نظرتكم واعتقادكم فهذا غیر مقبول على الإطلاق، ولا یمكن أن تنطلی على أحد، والسلام علیكم([195]).

الكلام للهاشمی

الهاشمی: وعلیك السلام، تفضل یا أستاذ سید حسن الحسینی، من جمعیّة الآل والأصحاب فی البحرین، من ذرّیّة فاطمة الزهراء (رضی الله عنها وصلى الله وسلم على أبیها).

 لدی ملاحظة واحدة أطرحها ثم نواصل الحدیث بعدها:

الهاشمی یبرر لهذه المناظرات

الهاشمی: بعث لی أحد الإخوان برسالة قال فیها: كیف تجرؤون على نصب هذه المحاكمة لأبی بكر الصدیق وعمر بن الخطاب؟ فهل یوجد فی الدنیا شخص لدیه مكانة تؤهله لیحاكم هذین الرجلین([196])؟

یا أخی الكریم، ماذا نفعل وهذه مجالس العزاء تقام كلّ سنة ومضمونها هو سبّ واتّهام هذین الرجلین العظیمین فی تاریخ الإنسانیة، ماذا نفعل والفضائیات الشیعیة غرضها الرئیس هو القدح فی شخصیّة هذین الرجلین، ماذا نفعل وبعض الناس یسترزقون من شتم صاحب رسول الله (صلى الله علیه وسلم) فی الغار، فكیف یطمئنّ مسلم وهو یتكلّم فی عرض صاحب رسول الله (صلى الله علیه وسلم)، وهو أحد القلّة القلائل الذین نزل فیه القرآن([197])؟ كیف یأتیه النوم وهو یتكلم لملایین الناس ویقول لهم هذا الرّجل (حاشاه) مجرم؟ كیف یطمئن إنسان للحدیث أو كیف یسترزق ویعیش من الإساءة إلى عمر بن الخطاب؟ أو كیف تصدر هذه الإساءة من عراقی وعمر بن الخطاب هو الذی نقل أنوار الإسلام إلى العراق وحرر العراقیین من الدیكتاتوریة التی كانت تتحكّم فیهم، وهو نفسه الذی فتح للإیرانیّین أبواباً جدیدة لاكتشاف عالم جدید عالم التوحید عالم عبادة الله الواحد الأحد، عالم الكرامة الكاملة الأساسیة لابن آدم، حیث لا یخضع الإنسان للمخلوقات ولكن یحنی رأسه لله تعالى فقط ثم یرفع رأسه أمام العالم، كیف یستطیع إیرانی أن ینام اللیل وهو یهاجم ویطعن فی الزعیم الكبیر الذی استطاع أن یكسب قلوب الإیرانیین فی عهده؟ كیف یستطیع إیرانی أو عراقی أن ینام اللیل مطمئناً وهو یطعن فی شخصیّة أقنعت المصریّین وهم شعب من أعرق الشعوب فی تاریخ الحضارة كلّها، أقنعها فی عشر سنوات بالإسلام، فحبّب إلیهم لغة القرآن الكریم([198])؟

فأنا أرى من الأفضل أن نتیح الفرصة حتى تستمعوا لهذا الكلام لكی تعرفونه ومن ثم تسمعون الرّد علیه.

قال لی بعض المشاهدین: لقد جاءنا أتباع هؤلاء الذین یطعنون فی عمر وأبی بكر الصدیق (رضی الله عنهما) إلى بلادنا فی المغرب العربی وقالوا: نحن أنصار الصّحابة، وندعو للوحدة الإسلامیّة, ونرید أن نستقطبكم؛ لأننا نجاهد ضدّ إسرائیل وأمریكا, وقد أعجبنا هذا الكلام، لكن لم نكن نعرف أنّ أصل الفهم الدّینی عندهم مبنی على إدانة أبی بكر الصدیق وعمر بن الخطاب.

 وأضاف: لو كنت أعرف من البدایة أن أصل المذهب العقائدی لهم یقوم على إدانة الفاروق والصدیق لأدركت أن المسألة فیها تدخل قومی وعنصری([199]).

 فلذلك یا إخوتی، من الأفضل أن نعرف الحقیقة ونتحمّلها ونسمع الرّأی والرّأی الآخر، كما نسأل الله تعالى أن یسدّد خطانا بحیث نصل إلى ما فیه النفع والخیر للباحثین عن الحقیقة، للباحثین عن المعرفة الصّحیحة، لنشر ثقافة الحرّیة والتعدّدیّة والقبول بحق الاختلاف لنساهم فی مواجهة خطاب البغض وخطاب الكراهیّة.

اسألوا أنفسكم بعد هذا البرنامج: كم شیعی فی السّنة المقبلة عندما یأتی إلى مجلس عزاء الزّهراء یتردّد ویقول: هل من الحكمة أن أحضر هذه المجالس وأبكی على جریمة لم یقل بها علی بن أبی طالب أصلاً، ولم یتحدّث عنها قط؟

لقد عرض السید القزوینی فقرة من كلام الإمام علی فی نهج البلاغة خاصة بالموضوع، وهی قوله: “وستنبؤك ابنتك بتظافر أمّتك على هضمها، فأحفها السّؤال واستخبرها الحال، هذا ولم یطل العهد..”

فأنا أطلب من الأخ القزوینی أن یعرضها على رئیس البرلمان هناك فی طهران أو على أی مرجع من مراجع الشیعة، هل یمكن لهم أن یستنتجوا من هذا أن أبا بكر وعمر جاءا إلى السّیدة فاطمة وكسرا ضلعها وحرقا بیتها وأسقطا جنینها([200])؟

بالله علیكم؛ أی قاضی فی قم أو فی طهران أو شیراز أو تبریز أو البلاد العربیّة، هل هناك قاضی یكمل هذه العبارة ویقول: هذا دلیل على أن فلان أو فلان قتل؟

هذا لا یمكن أن ینطلی على مجنون دعك من أن ینطلی على عاقل أصلاً، لا یمكن لقاضی أن یقول هذا دلیل على أن فلاناً كسر ضلعها وأحرق بیتها وأسقط جنینها([201]).

وآخر شیء أرید قوله هو: إن نقاشنا هذا ربما یجعل كثیر من الإخوان المدعوّین للمشاركة فی مجالس العزاء عندما یرون هذه الحلقات یتساءلون: هل یجوز إقامة العزاء على الزهراء والقول بكسر ضلعها وأسقاط جنینها مع أن زوجها لم یقل بهذا، وهی لم تحدِّث به أبداً, والثمرة هی التهجّم على رمزین من أعظم رموز المسلمین، وأعظم رموز الأمة العربیّة فی التاریخ.      

لنستمع الآن إلى تعلیق الأخ الحسینی: أهلا بك.

تعلیق الحسینی على كلامنا المتقدم

الحسینی: قبل أن أبدأ بالتعلیق لدی اقتراح هو: إذا كان علماء الشیعة كآیة الله القزوینی والجناحی وغیرهم لم یستطیعوا أن یأتوا بروایة واحدة صحیحة تؤید ما زعموا([202])، أن تعاد هذه الحلقات فی موسم عزاء الزهراء من كل سنة حتى تمتنع قنواتهم الفضائیة من بث هذه الأكاذیب([203]).

بسم الله الرحمن الرحیم الحمد لله رب العالمین والصلاة والسلام على اشرف الخلق أجمعین سیدنا وحبیبنا محمد (صلى الله علیه وعلى آله وصحبه وسلّم).

 إخوانی فی كلّ مكان، فی تونس والمغرب ولیبیا والجزائر ومصر والسودان والسعودیة والشام وأهواز وإیران والعراق وفی كلّ مكان؛ أحیّیكم بتحیّة الإسلام، السلام علیكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

إنا نحن أهل السنة والجماعة نحبّ الصّحابة ونحبّ أهل البیت، ولا نحمل فی قلوبنا حقداً على أحد منهم.

ونتمثل قول الله تعالى بعد ما ذكر الله المهاجرین والأنصار فی سورة الحشر حیث قال: {والذین جاؤوا من بعدهم یقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذین سبقونا بالإیمان}.

یا آیة الله القزوینی، أین أنت من هذه الآیة؟ هل أنت تستغفر للذین سبقوك بالإیمان ([204])؟ هل أنت تستغفر للخلفاء الراشدین الأربعة؟ هل تقرأ وتفهم هذه الآیة؟ هل فی قلبك غلّ لأبی بكر وعمر بعد ما ذكرت وطعنت فیهما؟ أنت تخالف كلام الله عز وجل، ألست تؤمن بالثقلین هذا هو الثقل الأكبر أنت لا تلتزم به([205]).

أحاول، یا آیة الله القزوینی، أن أتلطّف بالعبارة؛ لأن كلماتی ونقدی لك قد جرح مشاعرك لكنی سأحرص على اقتناء ألفاظی، والعجیب فی الأمر أنه یسمعنا كلاماً مریراً وقبیحاً، فهو یطعن فی أبی بكر وعمر، ثم یطلب منا أن تكون ألفاظنا غیر قاسیة، فسوف لن تكون ألفاظنا قاسیة إن شاء الله، لكن لا بدّ أن تعلم أنّك قد جرحت مشاعر أهل السنة والجماعة كلهم([206])، وما هذه الرسائل التی تأتینا إلا دلالة على ذلك، بل حتى بعض الشیعة قد تبرّؤوا من كلامك الذی ذكرته فی الحلقات السابقة([207]).

دعوى براءة جعفر بن محمد من الذین یتبرأون من أبی بكر وعمر

أقول: جاء فی بحار الأنوارـ وهو من كتب ومصادر الشیعة المعتمدة([208]). ـ عن المجلسی أنه قال: كان أبو حنیفة النعمان فی الكوفة فرأى أهل الكوفة فی القرن الثانی الهجری یشتمون الصّحابة، فرحل من الكوفة إلى المدینة, لیلتقی بحفید أبی بكر الصدیق وحفید علی بن أبی طالب جعفر الصادق، ذلك الإمام العظیم، فلما دخل علیه قال: یا إمام، أمسك أصحابك فی الكوفة، فإنی تركت أكثر من عشرة آلاف وهم یشتمون الصحابة. لقد اشتكى أبو حنیفة، إمام أهل السنة إلى الإمام جعفر لعلمه بأنه یحب الصّحابة، فأجابه جعفر الصّادق بكلمة واحدة، قال: هم لا یقبلون منّی، هم لا یقبلون منی([209]).

 الهاشمی: هذا دلیلك لم اسمعه من قبل لكننی دائماً أبحث عن دلیل مثله, لأننی لست متأكّداً تماماً أنّ كلّ هذه الروایات هی صناعة فارسیّة، فلقد كان الإیرانیون قبل الدولة الصفویة من محبّی صحابة النبیّ (علیه الصلاة والسلام) ولكن الدولة الصفویة ارتكبت معهم عنفاً شدیداً لم یعمله حتّى هتلر فی ألمانیا لتغییر دینهم ومذهبهم بالقوة([210]). ولكن البیئة الأصلیة لهذه الأفكار هو العراق، إن مراسلات وشكاوى عثمان بن عفان وولاته كلها كانت من العراق.

 وكذلك كانت شكاوى الإمام علی بن أبی طالب منهم أیضاً مع حبی الشدید لهم([211]) حیث قال لهم: “ملأتم قلبی قیحاً”([212]) أی: قتلتمونی من الهم.

لقد كان الفرس من محبّی صحابة النبی (صلّى الله علیه وسلّم) ومن المحتمل جداً أن الجدّ الأكبر للقزوینی كان من أكثر محبّی أبو بكر الصّدیق وعمر بن الخطاب، لكن قبل أكثر من (350) سنة استخدمت الدولة الصفویة أشدّ ألوان القهر والبطش فی حقّ الناس حتّى غیّروا مذهبهم([213]).

الحسینی: نرجع إلى موضوع سبّ الصّحابة، هذا هو مذهب الإمام جعفر الصّادق، لم ننقل هذا الكلام من كتب أهل السنّة بل نقلته من كتب الشیعة، إنّ من یزعمون حبّه لا یسمعون كلامه، یزعمون حبّه ثمّ یشتمون جدّه أبی بكر الصدیق (رضی الله عنه)([214]).

ألیس نسل جعفر الصادق طیّباً, كیف اقتضت حكمة الله تعالى أنْ یختلط نسبه بأبی بكر الصدیق (رضی الله عنه)، القضیّة تحتاج إلى قلیل من التأمل([215]).

روایة: إذا ذكر أصحابی فأمسكوا

یقول النبی (صلى الله علیه وآله وسلم)، فیما أخرجه المجلسی فی بحاره: “إذا ذكر أصحابی فأمسكوا”([216]).

وقبل تضعیف هذه الرّوایات التی أتیت بها، لدی تعلیق على ما سبق: وهو أنّی لازلت مصرّا على أنّك دلّست، ولیس من النقص أنّ المرجع یخطئ، أو أنّ آیة الله كذلك یُخطئ، فهو بشر ولیس بمعصوم، والأئمّة فقط هم المعصومون فی اعتقاد الشیعة, ولكن المراجع قد یخطئون وقد یصیبون، فلماذا هذه القدسیّة لآیة الله القزوینی، لقد كان كلّ كلامنا فی نقطة محدّدة وهی أنْ اذكروا لنا روایة واحدة صحیحة مسندة، فأخذ القزوینی یعدّد هذه الروایات حتّى أتى إلى كتاب الملل والنحل، ویظهر من هذا أن فیه روایة صحیحة ومسندة، ولكن الواقع أنّ الشهرستانی أتى بها لیرد على النظام الذی نقل هذه القصّة، وهو لا یمثل أهل السنة أصلاً, فقد رمی بالزندقة وقد اتّهمه ابن حجر بذلك، فلماذا تخفی هذه الأقوال, فالذی أتیتُ به أنا یعتبر عند الأكادیمیین موضع الشاهد، وفرق بین التدلیس وبین موضع الشاهد، أمّا أنت فما أتیت به فهو التدلیس والكذب، عفا الله عنك, هذا ما یتعلّق بموضوع كتاب الملل والنحل([217]).

هناك قضیّة أخرى أحببت أن أنوه لها قبل أن آتی إلى الردود، وهی أنك ذكرت قناة سلام الفارسیّة. فقد سمعت من أحد المتابعین لها ممن یعرف اللغة الفارسیة أنهم قد جعلوا فیها برنامجاً خاصّاً لسبّ الصحابة، وبرنامجاً آخراً یذكرون فیه فضائل أبی لؤلؤة المجوسی، والضیف الدّائم فی هذه القناة هو القزوینی.. وهذه مجرد معلومات.

الهاشمی: بما أنّ السید القزوینی ذكر قناة (SALAAM TV) سابقاً وقد تحدّث عنها حدیثاً جیّداً، فإذا كان لدیه أی تحفظ أو دفاع فأرجو منه أن یبعث لی معلومات إضافیة حتّى استفید منها عن هذه القناة، وأوضّح المزید عنها إذا اقتضى الأمر. أو إذا أراد القائمین على هذه القناة أن یتّصلوا بنا زیادة للتوضیح وزیادة على ما قلته أنت عنهم فرقم الإیمیل والفاكس موجود على الشریط الإخباری الأخضر وحقّ الردّ مكفول.

الحسینی یرد الروایات الصحیحة لأنها لا تنسجم مع متبنیاته

الحسینی: إنّ القزوینی بنقله لهذه الروایات قد شتم الصّحابة وطعن فی أبی بكر وعمر بكلّ أنواع الطعن ثمّ یقول نحن نرید الوحدة الإسلامیّة([218])! فما فی هذه الروایات؟ فیها الزندقة فیها الكفر، فیها التضلیل فیها الظلم، فیها أنّ عمر بن الخطاب (رضی الله عنه) أحرق دار فاطمة وأحرق بابها ثمّ رفسها وطعنها وأسقط جنینها وكسر ضلعها، وفی تكملة الرّوایة أنهم جرّوا علی بن أبی طالب وقیّدوه بحرائر سیفه لإجباره على البیعة، كلّ هذا فعله أبو بكر وعمر، ثمّ یقول: لماذا هذه القسوة فی الألفاظ؟ فإذا كنت مصدّقاً بها یلزمك بعدها عدة أشیاء، فما هی فی نظرك النتائج المترتبة على هذه القصّة؟ وأول هذه الأمور هو أن أبا بكر وعمر أعداء آل البیت، فلا یفعل ذلك إلا عدوّ لهم، ومعنى عدوّ آل البیت أنهما كافرین، هل هما بنظرك كافرین أو مسلمین؟ أجبنا على هذا السؤال، فإن كانوا كافرین كیف بایعهما الإمام علی، حتى لو فرضنا أنه كان مكرهاً؟ كیف یجوز لمكره أن یبایع كافر ولو كان الهدف هو وحدة المسلمین؟ أی وحدة مع الكفار یسعى إلیها أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب([219])؟

كلام الهاشمی حول ما نشر فی موقع مركز الأبحاث العقائدیة

الهاشمی: سبق أن عرضنا فی المناقشة لتوضیح الرّؤى المختلفة ما هو منشور فی موقع مركز الأبحاث العقائدیّة التابع لسماحة آیة الله العظمى السید على السیستانی، من كتاب آیة الله العقیلی، الذی یتحدّث عن ما عانته الزهراء (رضی الله عنها) بعد رحیل أبیها (صلوات الله علیهما) یقول: “إن من القوم الظالمین من سلب حق الولی وهجم على الدار وأضرم النار وكسر الضلع ...، وأضاف: فهذه أدلة ترفع السّتار عن بصیرة من یرید أن یتبصّر بنور الله تعالى المتمثل بنور آل محمّد (صلوات الله علیهم أجمعین) ویحكم بكفر أولئك الظالمین (لعنة الله علیهم أجمعین وعلى أتباعهم والراضین بفعلهم”.

كیف انتم الآن تدافعون عنهم؟ الذل والهوان إلى قیام یوم الدّین! وهذا موجود فی موقع مركز الأبحاث العقائدیّة التابع لأعلى مرجع شیعی معاصر([220]).

عودة الكلام للحسینی

الحسینی: القزوینی یجب أن یبیّن رأیه فی هذا الكلام هل یوافقه أم یخالفه؟

نرید جواباً واضحاً، إن كنت صریحاً أجبنا على هذا الكلام، فإن كنت تخالفه یجب علیك أن تردّ علیهم، هؤلاء یطعنون فی رموز المسلمین ولیس رموز أهل السنة فقط. كان سؤالنا عن روایة واحدة صحیحة مسندة، أنت تدّعی أنك تتبع كلام المعصوم فأین هو كلامه فی هذه المسألة؟ أم أنك تتبع كتب أهل السنة، ألم تكن كتبهم عندك باطلة فلماذا تعوّل علیها([221])، لا یوجد عالم من أهل السنة یقول بهذه الروایة أو یصحّح هذه الروایات([222])، أنت مطالب الآن بأن تأتی بروایة من كلام المعصوم فی هذه المسألة.

أنت تقرّ بهذه المسألة وتؤمن بها ولعلّك تحضر مجالس العزاء، ما هی الروایة التی تدین الله تعالى بها حتى لو كانت شیعیّة، نحن نرید أن نناقشها هنا، وبإذن الله تعالى نبطلها لك.

لدی سؤال مهم جداً: لماذا كفّرتم السید محمد حسین فضل الله، تعلم لماذا كفرتموه؛ لأنه شكّك فی هذه الرّوایة.

الهاشمی: لیس أكیداً أنهم كفروه ربّما أنقصوا شرعیّته.

الحسینی: لقد دشنوا موقعاً على الإنترنت سمّوه ZALAAL. NET وفیه فتاوى تكفیره، كما ألّفوا كتاباً باسم: الحوزة العلمیّة تدین الانحراف، مما یعنی أنه منحرف!

الهاشمی: الانحراف غیر التكفیر، أنت قلت أنهم كفروه!

الحسینی: عندهم فتاوى فی موقع (ZALAAL. NET) بغضّ النظر عن تكفیر تضلیل انحراف، نتراجع عن قضیّة التكفیر.

السؤال: لماذا؟ لقد شكّك فی الروایة فقط، فهو لیس رجل عادی, إنه مرجع شیعی وله أتباع كثیرون، وهو من العلماء الذین لهم حق الاجتهاد، فقد اجتهد فی هذه المسألة وقال استناداً إلى النظر والتحلیل التاریخی: أنا أشكّك فی هذه الروایة، فلا بد أن توضّح لنا ما هو رأیك فی فضل الله، ثم لماذا الحوزة العلمیّة قالت بانحرافه وضلاله([223]).

إنك قلت: نحن لا نشتم ولا نسب، ولكنكم الآن تدفعون الشیعة إلى سبّ الصّحابة ولعنهم، فها أنت تصحّح الروایات وتدفعها للشیعة، بالله علیك عندما یسمع الشیعی وهو فی المأتم أو فی الحسینیّة أنّ عمر فعل كذا وعمر فعل كذا وأنه طعن الزهراء وأسقط جنینها ولطم خدّها وفعل وفعل وفعل؛ فهل أنّ الشیعی الذی یسمع هذا الكلام سیبقى یحبّ الصّحابة، یحبّ أبو بكر وعمر ویقول: اللهم اغفر لهما، أم یلعنهما ویتقرّب إلى الله تعالى بسبّهما([224])؟

أنت الآن تؤصّل للموضوع، إذ لو ثبتت هذه الجریمة فسوف تتحمّل أكبر إثم، أنت تؤصّل القضیّة وتقول هذه قضیّة صحیحة وأنا لا أشتم لكن أنتم اشتموا([225])!

مداخلتنا حول الموضوع

الهاشمی: هل السید القزوینی على الخط.

السید القزوینی: نعم أنا على الخط.

الهاشمی: عندی سؤال فرعی هل قناة (السلام الفضائیة) (SALAAM TV) التی ذكرتها، لها برنامج یشتم الصّحابة أسبوعیّاً؟

السید القزوینی: بالنسبة لقناة السلام الفضائیة، والتی ادعى الأخ الحسینی بأنی ضیفها الدائم، فأقول: إننی لست الضیف الدائم لهذه القناة الدینیة، فهی تستضیفنی كما تستضیف الكثیر من الشخصیات الدینیة والعلمیة والفكریة وأساتذة الجامعات سواء فی إیران أو خارجها، هذا أولاً. وثانیاً: لقد ادعى الأخ الحسنی بأن قناة السلام تسب الصحابة وتمدح أبی لؤلؤة! فأقول: إنی لست مسؤولاً عن كل ما تطرحه هذه القناة، فهی لیست قناتی الخاصة، كما أن جمیع الكلام الذی أقوله فیها موجود بصوتی ویمكنكم الاطلاع علیه، وكل ما ذكرته فی حینها نقلاً عن العلامة المجلسی هو أن أبا لؤلؤة قاتل الخلیفة عمر قد دفن فی مقبرة البقیع، وأما القبر الموجود بكاشان فهو لیس قبره، ولهذا فإن ما قاله الأخ الحسینی هو افتراء.

الهاشمی یتأكد من أن معلومات الحسینی معلومات باطلة

الهاشمی: لقد قال الأخ الحسینی أن القناة تبث برنامجا فی سبّ الصّحابة هل هذه المعلومة باطلة.

السید القزوینی: وأما الادعاء بأن قناة السلام تسب الصحابة! فللعلم أن منهج القناة ـ كما صرح لی بذلك مؤسسها ـ هو أنها لا تسمح أبداً بالإساءة إلى أهل السنة وأعلامهم ومقدساتهم بل تعد ذلك خطأ كبیراً.

الهاشمی: إذن الكلام الذی قاله السید الحسینی حول قناة (SALAAM TV) غیر صحیح.

السید القزوینی: نعم غیر صحیح.

الهاشمی: لقد أوضحت الرّد ودافعت عن القناة وهذا تحقق بحمد الله.

طلب غیر منطقی

أبو شوارب: إلى آیة الله القزوینی، أنا أطلب منك طلباً, بوصفك أحد علماء الحوزة المعتبرین، لماذا لا یجتمع مراجع الشیعة الكبار لإعادة صیاغة الخطاب الدّینی عند الشیعة بنفی هذه التهمة عن الخلفاء الراشدین، هذا هو كلّ هدفنا([226]).

الهاشمی یرد بدلا عنا

الهاشمی: إنّ طلبك هذا غیر منطقی، فإنّ السید القزوینی تكلّم نصف ساعة مؤكّداً التهمة على أبی بكر وعمر، فكیف تطلب منه ومن غیره من العلماء أن ینفیها، ینبغی أن تعترف بأنّه مخالف لك فی الرّأی فلا تقدّم طلباً كهذا.

نحن نعترف بأن لدینا تعدّدیّة آراء، ونرى كیف نعالجها، أما طلبك هذا فمن شأنه أن یعطی انطباعاً للمشاهد أنك وإیّاه على وفاق بینما أنتما على طرفی نقیض.

الهاشمی یطلب منا التراجع عن اتهام أبی بكر وعمر

الهاشمی: هل هناك فرصة، یا سید القزوینی ـ فی ضوء هذه الرّدود التی قدّمها الدّكتور أبو شوارب والسید حسن الحسینی والمهندس صباح الخزاعی ـ أن حضرتك شخصیّاً وعلماء الحوزة تتراجعون عن اتهام أبی بكر وعمر بارتكاب هذه الجریمة؟ ففی بریطانیا مثلاً لا یحكم القاضی بإدانة شخص إلا أن یكون الحكم مبنی على أدلة قاطعة لا یرقى إلیها الشك، أما إذا كان هناك شك فعلى هیئة المحكمة أن تصدر حكماً بالبراءة، فباعتبار التشكیكات التی قدّمها الإخوان وغیاب نصّ من الإمام علی بن أبی طالب، هل أنت مطمئن الآن بعد كل هذه المناقشات أن ما دافعت عنه فی هذه الحلقات السّابقة كلّها أنك على الموقف الصّحیح؟ أو أن هذا الشك یجعلك تتراجع عن اتهامك لعمر وأبی بكر (رضی الله عنهما) بارتكاب هذه الجریمة؟

عدم إهانتی للصحابة طیلة عشرین سنة

السید القزوینی: كل من یعرفنی سواء فی الجامعة أو فی الحوزة، یعرف أننی، ومنذ ما یقارب العشرین عاماً، حیث أدرِّس هناك لم تبدر منی أی إساءة بحق أی من الصحابة، وأتحدى من یثبت خلاف ذلك.

الهاشمی: لكن یا سیّد، أنا أصدّقك شخصیّاً، فأنت عندی ثقة ومحلّ تقدیر، أنا أسألك: بالنسبة للرّأی الذی عبّرت عنه أول أمس وأعدته الیوم من تصحیحك الروایات التی تدین أبا بكر وعمر (رضی الله عنهما) بالتورّط فی جریمة العدوان على السّیدة فاطمة وكسر ضلعها وإسقاط جنینها، هل لدیك أنت، كعالم وباحث علمی، هل تعتقد أن هناك من الشكوك ما یجعلك تتراجع عن تأكیدها؟

السید القزوینی: لو كنت قد استشرتنی قبل بدایة هذه المناظرة لكنت أشرت علیك بعدم طرحها وبهذه الطریقة، مثلها مثل كل البرامج التی قدمتها سابقاً، كالمناظرة التی كانت فی شهر رمضان، لأنی أعتقد أن طرح هذه الأمور وبهذه الطریقة لیس فی صلاح المسلمین، لكن ما العمل إذا كنت قد فتحت هذا الباب، هل یجوز السكوت وترك الحقائق نهباً للاجتهادات والتصورات والنوازع الشخصیة؟ أنتم تصوّرون للمشاهد أن الشیعة لم تأت بروایة واحدة صحیحة بالرغم مما نضعه بین أیدیكم من روایات أكثرها من كتب أهل السنة، والتی أقل ما تثبت هو سوء العلاقة بین الصدیقة الطاهرة والخلفاء.

أما ما تكررونه من القول بأن ذكر هذه الروایات هو سب وشتم للصحابة وجرح لمشاعر أهل السنة؛ فإن الطبری والبلاذری وابن أبی شیبة وغیرهم من كبار علماء أهل السنة، ممن نقل هذه القضیة، قد سبقونا إلى هذا الأمر، فیجب أن یتوجه لهم النقد لا لنا، فإن ناقل الكفر لیس بكافر، كما یقولون.

الهاشمی یعلل طرح هذه الموضوع

الهاشمی: یا سید القزوینی، إن السبب الذی دعانی لطرح مثل هكذا مواضیع حساسة هو أننی لما عدت إلى البیت جاءتنی دعوة لحضور مجلس عزاء السیدة فاطمة، هنا فی لندن، ولما فتحت القنوات الشیعیة فی المساء وجدت أن هذا الحدیث یذاع فیها، فقلت: إما هم على حق ونحن جاهلون بالموضوع، أو ربّما الأمر فیه أبعاد أخرى، فلندعو العلماء لنتأكّد؛ لأن هذا الحدث هو حدث سنوی.

سؤالی لك الآن: هل ترى أنت شخصیّاً، دع رأی الحوزة، أنت السید القزوینی، بعد الكلام الذی ذكره الإخوان، هل هناك احتمال أنك تشكّ فی هذه الروایة وتقول ربّما هی باطلة؟

السید القزوینی: نحن نطرح الأمور وفقاً لسیاقات البحث العلمی المعتمد، وعندما نصحح روایة وفقاً للقواعد المتعارفة فی هذا المجال فلا ینبغی لنا أن نشكك فیها بعد ذلك، وإلا فما الفائدة من تصحیحها.

الهاشمی: ولكن یا سید القزوینی، أنت الآن لم تجبنی على سؤالی، بالنسبة إلى الروایة الصحیحة الواردة عن للإمام علی، فلا توجد فیها أیّ إشارة منه لكسر الضلع وإسقاط الجنین، ولقد قرأت النص الذی أنت قرأته فی البرنامج قبل یومین، لا یمكن لی ولا لأی باحث منصف أن یستنتج منه أن هناك كسر ضلع وإسقاط جنین، فلم یقل إن ابنی قتلوه أو زوجتی كسروا ضلعها، كما أن السیدة الزهراء فی حدیثها مع أبی بكر لم تتحدث عن هذا الأمر, ففی ضوء هذه المناقشات وبعد غیاب النص من الإمام علی والسیدة الزهراء على هذه التفاصیل، هل تعتقد من وحی هذه الحلقات والمناقشات أن هناك من احتمال لك، أنت كعالم شیعی، أن تعید النظر فی هذه الروایات التی تدین الفاروق والصدیق؟ أم أن الأمر ثابت ولكن یجب أن نتعامل بعد ذلك كیف نعرضه للناس.

روایات الفریقین دلت على وقوع هذه الحادثة

السید القزوینی: یا دكتور هاشمی، إن القضیّة ثابتة عند الشیعة والبعض من علماء السنة بحسب الروایات، نعم كل خبر بطبیعته یحتمل الصدق والكذب، كما أننا لا ندعی أننا نعلم الغیب، وأنه قد صدقت هذه الروایات حقیقة أو أنها غیر صادقة فی اللوح المحفوظ، لأننا ننظر إلى هذه الروایات وفقاً للمبانی والأسس والقواعد المتداولة فی علم الرجال عند إخواننا أهل السنة.

الهاشمی: ولكن أهل السنة قد حضروا فی البرنامج وقالوا لك: إن روایة ابن أبی شیبة لا تتحدّث أبداً عن كسر الضلع وإسقاط الجنین، والطبری لم یتحدّث أبداً عن كسر الضلع وإسقاط الجنین، وكذلك البلاذری لم یتحدث أبداً عن كسر الضلع وإسقاط الجنین، أسوأ شیء فی الأمر هو التهدید، كما أن فی روایة ابن أبی شیبة مدح لفاطمة الزهراء ولوالدها الرسول (علیه الصلاة والسلام)([227]).

الهاشمی [مخاطباً الجمهور]: لقد استمعتم إلى السید القزوینی واستمعتم من قبله إلى آیة الله الجناحی واستمعتم إلى الأخ حسن الحسینی واستمعتم إلى الدكتور محمد مصطفى (أبو شوارب)، واستمعتم إلى النظریّة العقلیّة الریاضیّة التی قدمها أمس والیوم الأخ المهندس صباح الخزاعی أستاذ الریاضیات فی كلیّة بریستون فی المملكة المتحدة فی بریطانیا العظمى، ما هو رأیكم أنتم؟

بعد ست حلقات، أخیراً، حان الوقت لنستمع إلیكم، أنتم هیئة المحكمة.... بعد ما سمعتم كلام الإخوان هاهنا ما هو رأیكم فی الموضوع؟ أبلغكم بكلّ سرور أنّ الضیوف الكرام الذی استمعتم إلیهم بصبر لمدة ستة أیام ولساعات طویلة حان الوقت إلى أن یستمعوا إلیكم، إن شاء الله سنبدأ حلقة غدٍ ونستقبل اتصالاتكم لنتعرَّف على آرائكم لأكثر من ساعة.

أمّا أرقام الهواتف فهی موجودة على الشریط الإخباری وسنسمع رأیكم فیما عرض من أفكار وأطروحات وبعد ذلك تبقى لنا حلقة ختامیة یصدر فیها الحكم من مشاركی هذه الندوة فی هذا الموضوع فحتى الملتقى فی الندوة السابعة من هذه المناظرة.